19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. راشد العليمي: علينا أن نقف من أنفسنا موقفا واضحا؛ ما مقدار خُلق الوفاء في معاملاتنا مع الآخر؟

06 ديسمبر 2015

إن خلق الوفاء من الأخلاق الإسلامية الكريمة، فضلا عن كونه قيمة إنسانية فاضلة، تدعم الثقة بين الأفراد، وتؤكد أواصر التعاون في أي مجتمع، كما أن الوفاء بالعهود والمواثيق من أجَلِّ الخصال الإيمانية التي دعا إليها الإسلام، وأكد ضرورة الالتزام بها، ورتب على نقضها والإخلال بها عواقب جسيمة في الدنيا والآخرة.

عن صفة الوفاء تحدث فضيلة الدكتور راشد العليمي، الخبير في الشؤون الأسرية، والإمام والخطيب بوزارة الأوقاف، مؤكدا أننا نحتاج أن نتحرى الوفاء في كل تعامل في حياتنا اليومية، وأن نعتبر أن أي معاملة مع الناس هي عقد بيننا وبين الطرف الآخر، لابد وأن يكون هناك قدر من الوضوح، والثقة، وكريم الصلة مع الناس حتى تستقيم حياتنا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم- ، نحن إذا فتنشنا في أسباب الكثير من الخلافات بين الناس سنكتشف أن من الأسباب الرئيسية وراء كل خلاف؛ عدم وضوح قيمة الوفاء لدى البعض.
ولنتدبر حديث النبي
صلى الله عليه وسلم- (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) رواه البخاري، الذي يدور حول غياب صفة الوفاء، الكذب وعدم الالتزام بالوعد وخيانة الأمانة، من ثم فإن علينا أن نقف من أنفسنا موقفا واضحا؛ ما مقدار صفة الوفاء في حياتنا؟ ما مقدار الصدق ظاهرا وباطنا في تعاملاتك؟ إذا صدقت في القول والفعل معا، فهذا هو الوفاء.


يقول فضيلة الدكتور أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوصَف فيما قبل البعثة بصفتين رئيسيتين؛ هما الصدق والأمانة، هل سمعتم أبدا أن النبي قد غدر بمن أساءوا وتكبروا وتطاولوا عليه من كفار مكة؟ هل سمعتم يوما أنه غدر بيهود المدينة الذين تآمروا عليه أكثر من مرة؟ هل سمعتم يوما أن النبي نكث بالوعد أو نقض صلحا؟ حاشاه عليه الصلاة والسلام، إذا، متى ما كنت وفيا فأنت دائما محل تقدير من الآخرين في أي موقف كان.
نجد أن بعض الناس يوعد بتنفيذ أمر ما، فتنتظره، فإذا به يتخلف دون أن يوضح لك من البداية إذا ما كان يقدر أو لا يقدر على الوفاء بما قطعه على نفسه من وعد، هذا النوع من التنصل من المسئولية شائع جدا للأسف، يغفلون أن ربنا سبحانه وتعالى مدح أقواما في كتابه العزيز بقوله
}قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{ من هؤلاء؟ }الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ{ سورة المؤمنون 1،8، تأمل هذا الأمر، على قدر ما تدرب نفسك على الوفاء بالأمانة على قدر ما تُفلح، وتعتاد هذا المسلك وتجد أن الأمر يسير.

ما هي مجالات الوفاء بين الناس؟ يرى الشيخ راشد أن أولها يكون بين الزوجين؛ في فترة الخطبة مثلا، تتمنى الفتاة من الخاطب أن يوفي لها بوعوده الكثيرة التي يسردها على مسامعها في فترة الخطبة؛ كألا يحرمها من إكمال دراستها، أو زيارة أهلها، أو كذا وكذا، في العادة تطمئن الفتاة لما وعد به، ولا تتخيل الغدر، ثم بعد عقد الزواج تفاجأ بالوجه الآخر، حين تثق بك الفتاة ووالدها وتنقض أنت عهدك معهم، هذه النماذج موجودة – قلت أم كثٌرت – لكنها موجودة للأسف ولن نستطيع إنكار ذلك.


قضية أخرى؛ نجد أن بعض الأسر تقع في إثم الشقاق والتخاصم بسبب الأموال والمواريث، خصوصا في حالات الوصاية على القُصَّر، بعض النفوس ضعيفة وتتطلع إلى المال السهل وتخون الأمانة، هل ربنا جل وعلا قال لا تأخذوا مال الأيتام؟ لا، قال "لا تقربوا"
}وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا { الإسراء:34.


أيضا مسألة الوفاء بالدَيْن، من المسائل الخطيرة- حسبما يرى الدكتور العليمي- فبعض الناس يقترض ويُسَوِّف في السداد، وربما يمتنع أصلا عن سداد دَيْنِه، الأمر الذي قد يجعل بعض ميسوري الحال يعزفون تماما عن إقراض الغير لأن لهم تجارب مريرة مع أناس استحلوا أموالهم ولم يوفوا بالديون التي اقترضوها منهم، لا سيما في تلك الحالات التي لا يتم تسجيل الدين فيها كتابيا، فلا إثبات عليه إلا حُسن النوايا، وخاصة بين الأزواج، حيث يرفض بعض الرجال رد أموال استدانوها من زوجاتهم، الأمر الذي يصل في بعض الحالات إلى تهديدهن بالطلاق إذا ما طالبن بِرَد أموالهن، نفس الأمر مع ما يأخذه البعض من شقيقاتهم بحجة الاستثمار، ولا يوفون بوعد الاستثمار ولا حتى رد أصل المال، يشدد الشيخ على أن كل تلك النماذج ينبغي لها بسرعة أن تتحلل من هذه الأموال قبل أن يأتي الأجل، فيوم القيامة لا دينار فيه ولا درهم، لكن السداد فيه بالحسنات والسيئات.


قضية أخرى خطيرة وهي قضية الوفاء بالنذر؛ كثير من الناس عند الملمات والضوائق ينذر نذرا كبيرا يصعب عليه الوفاء به فيما بعد، يرى الشيخ أنه لا يجوز ابتداء أن يُعلق المرء عباداته مع الله بشرط، إن فعل الله كذا سأفعل أنا كذا، لا يجوز هذا، لكن إن حدث ونذرت، فقد أوجبته على نفسك وألزمت نفسك بالوفاء وإلا أثِمت.

الوفاء والإخلاص في العمل أيضا من القضايا الهامة التي يبرر بعض الناس تقصيرهم بها أنه عمل دنيوي، لا يدخل في باب الشعائر والعبادات، هنا يستنكر الدكتور راشد هذا المسلك الشائع في أماكن عديدة، مثل المؤسسات التي تعتمد نظام بصمة الحضور للموظفين، حيث نجد البعض يبصم ويخرج دون أن يداوم، ولا يرجع إلا في آخر النهار، يقول الشيخ: أليس بينك وبين المؤسسة التي تعمل بها عقد؟ إذا فأنت ممن خاطبهم المولى عز وجل في سورة المائدة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ﴾ محذرا من أن رواتب هذه الأعمال تدخل في شبهة المال الحرام، لأن من يفعل ذلك إنما يخون الأمانة بلا شك.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت